الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا}.لا يكادُ يسري عملٌ إلى غيرِ عاملِه.{ثُمَّ إلى رَبّكُمْ} مالكِ أمورِكم {تُرْجَعُونَ} فيجازيكُم على أعمالِكم خيرًا كانَ أوشرًا. اهـ.
وقيل: جعلها باعتبار إعراضهم عنها. كأنها خلفهم {ولاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا} أي: لا يدفع عنهم ما كسبوا من أموالهم. وأولادهم شيئًا من عذاب الله. ولا ينفعهم بوجه من وجوه النفع {ولاَ مَا اتخذوا مِن دُونِ الله أوليَاء} معطوف على ما كسبوا أي: ولا يغني عنهم ما اتخذوا من دون الله أولياء من الأصنام. و{ما} في الموضعين إما مصدرية. أو موصولة. وزيادة لا في الجملة الثانية للتأكيد {ولهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} في جهنم التي هي من ورائهم {هذا هُدًى} جملة مستأنفة من مبتدأ وخبر. يعني: هذا القرآن هدى للمهتدين به {والذين كَفَرُواْ بئايات رَبّهِمْ} القرآنية {لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ} الرجز: أشدّ العذاب.قرأ الجمهور: {أليم} بالجرّ صفة للرّجز.وقرأ ابن كثير. وحفص. وابن محيصن بالرفع صفة لعذاب {الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر} أي: جعله على صفة تتمكنون بها من الركوب عليه {لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} أي: بإذنه وإقداره لكم {ولتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارة تارة. والغوص للدرّ. والمعالجة للصيد وغير ذلك {ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: لكي تشكروا النعم التي تحصل لكم بسبب هذا التسخير للبحر {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السموات وَمَا فِي الأرض جَمِيعًا مّنْهُ} أي: سخّر لعباده جميع ما خلقه في سماواته. وأرضه مما تتعلق به مصالحهم. وتقوم به معايشهم. ومما سخّره لهم من مخلوقات السموات: الشمس والقمر. والنجوم النيرات. والمطر والسحاب والرّياح. وانتصاب {جميعًا} على الحال من {ما في السموات وما في الأرض}. أوتأكيد له. وقوله: {منه} يجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لـ: {جميعًا} أي: كائنة منه. ويجوز أن يتعلق بسخر. ويجوز أن يكون حالًا من ما في السموات. أو خبرا لمبتدأ محذوف. والمعنى: أن كل ذلك رحمة منه لعباده {إِنَّ في ذَلِكَ} المذكور من التسخير {لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وخصّ المتفكرين؛ لأنه لا ينتفع بها إلاّ من تفكر فيها. فإنه ينتقل من التفكر إلى الاستدلال بها على التوحيد.{قُل لّلَّذِينَ ءآمنوا يَغْفِرُواْ} أي: قل لهم اغفروا يغفروا {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} وقيل: هو على حذف اللام. والتقدير: قل لهم ليغفروا.والمعنى: قل لهم يتجاوزوا عن الذين لا يرجون وقائع الله بأعدائه. أي: لا يتوقعونها. ومعنى الرجاء هنا: الخوف. وقيل: هو على معناه الحقيقي.والمعنى: لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقّتها الله لثواب المؤمنين. والأول أولى. والأيام يعبر بها عن الوقائع كما تقدّم في تفسير قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: 5] قال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية. وذلك أنهم لا يؤمنون به. فلا يخافون عقابه.وقيل المعنى: لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه. وقيل: لا يخافون البعث.قيل: والآية منسوخة بآية السيف {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} قرأ ابن عامر. وحمزة. والكسائي: {لنجزي} بالنون أي: لنجزى نحن.وقرأ باقي السبعة بالتحتية مبنيًا للفاعل.أي: ليجزي الله.وقرأ أبو جعفر. وشيبة. وعاصم بالتحتية مبنيًا للمفعول مع نصب قومًا. فقيل: النائب عن الفاعل مصدر الفعل. أي: ليجزى الجزاء قومًا. وقيل: إن النائب الجارّ والمجرور. كما في قول الشاعر: وقد أجاز ذلك الأخفش. والكوفيون. ومنعه البصريون. والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة. والمراد بالقوم: المؤمنون. أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار. والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه.وقيل: المعنى: ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات كأنّه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن. والأول أولى.ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم. والمشركين وأعمالهم. فقال: {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} والمعنى: أن عمل كل طائفة من إحسان. أوإساءة لعامله لا يتجاوزه إلى غيره. وفيه ترغيب وتهديد {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} فيجازي كلًا بعمله إن كان خيرًا فخير. وإن كان شرًّا فشرّ.وقد أخرج عبد الرزاق. والفريابي. وعبد بن حميد. وابن المنذر. وأبو الشيخ في العظمة من طريق عكرمة. عن ابن عباس في قوله: {جَمِيعًا مّنْهُ} قال: منه النور والشمس والقمر.وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: كل شيء هو من الله.وأخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن المنذر. والحاكم وصححه. والبيهقي في الأسماء والصفات. عن طاو وس قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله ممّ خلق الخلق؟ قال: من الماء. والنور والظلمة. والهواء والتراب. قال: فمم خلق هؤلاء؟ قال: لا أدري.ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير. فسأله. فقال مثل قول عبد الله بن عمرو. فأتى ابن عباس. فسأله ممّ خلق الخلق؟ فقال: من الماء. والنور والظلمة. والريح والتراب. قال: فممّ خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السموات وَمَا فِي الأرض جَمِيعًا مّنْهُ} فقال الرجل: ما كان ليأتي بهذا إلاّ رجل من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم.وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {قُل لّلَّذِينَ ءآمنوا يَغْفِرُواْ} الآية قال: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا اذوه. وكانوا يستهزئون به ويكذبونه. فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة. فكان هذا من المنسوخ. اهـ.
|